في كل مرة تثور الشائعات عن تعديل أو تغيير وزاري يقفز دائما في مقدمة المناصب الوزارية التي يشهدها هذا التعديل أو التغيير اسم وزير التعليم سواء كان التعليم العام أوالعالي وهو ما حدث فيما أثير مؤخرا.. وفي معظم الأحوال ـ إن لم يكن في جميع الأحوال ـ يتحقق بالفعل الاستغناء عن خدمات الوزيرين معا أو أحدهما..وهو ما يؤكد وجود أزمة مزمنة في التعليم, وأنها أزمة بلا حلول, ويأتي التغيير دائما بعد أن يكون صوت الناس قد ضاع وهم يصرخون ألما من العذاب الذي يعيشونه بسبب أهواء كل وزير ورغباته في أن يجرب في الناس أفكاره ومشاريعه التي يزين له من حوله من بطانة المستفيدين أنها العبقرية خالصة مصفاة نقية وبدون أي شوائب, رغم أن ما يظنه الوزير إبداعا وإلهاما وعبقرية لا يزيد علي كونه محاولة تطبيق نظام التعليم الأجنبي الذي تعلم فيه سيادته, حيث ينزل الوزير علي دماغ الناس بنظام مستورد من الخارج بعلبته, دون أن يلاحظ أن ظروفنا في مصر تختلف تماما عن ظروف البلد الذي يستورد منه نظامه التعليمي.. سواء كان هذا النظام إنجليزيا أو فرنسيا أو كنديا..
ويستمر الوزير ـ كل وزير للتعليم ـ في مقعده الوزاري الفخيم يجرب تطبيق النظام المستورد, ويندهش من عدم استجابة المواطن المزعج لهذا النظام ويظل الوزير يحاصر ويخنق الناس بالنظام التعليمي الذي اختاره إلي أن يأذن الله فيخرج سيادته من الوزارة غير مأسوف عليه ولا علي السنوات التي أمضاها في الوزارة والناس تلطم خدودها من المعاناة بسبب تجريب أفكار سيادته عليهم.. ويأتي وزير جديد ـ والغريب والمدهش في نفس الوقت ـ هو أن الوزارة الوحيدة التي لا يشترط فيمن يتولي منصب الوزير بها أن يكون له سابق خبرة هو وزير التعليم, بل أحيانا يكون من الأفضل اختيار شخص لا تتوافر له أي خبرة سابقة لا بالتربية ولا بالتعليم.. اللهم إلا إذا اعتبرنا أن حرف الدال ـ يعني دكتور ـ الذي يسبق اسم الوزير الجديد هو في حد ذاته مؤهلا كافيا, ولا يحتاج معه لأي خبرة أو معرفة بالتربية أو التعليم.. وتكون هذه الدال في أحوال كثيرة تعبيرا عن حصول المرشح المجهول علي درجة الدكتوراه في أي تخصص فقد تكون دكتوراة في تحسين إنتاج البطاطس أو في الدورة التناسلية لذبابة الفاكهة ـ الله يرحم الفنان فؤاد المهندس ـ
أو في قواعد اللغة العربية وأكلت السمكة حتي رأسها ويرحم الفنان صلاح ذو الفقار!! أو في المواصفات النموذجية لخلطة الخرسانة المسلحة.. المهم أن يكون سيادته دكتورا وخلاص, ويهل الوزير الجديد وهو يا دوب لا يعرف من شئون الوزارة التي جاءته علي غير موعد أكثر مما ينشر في الصحف, وفي الحال يستدعي من ذاكرته مشواره التعليمي والدولة التي سافر إليها مبعوثا للحصول علي الدكتوراة فيبدأ في استيراد بعض ما تبقي في ذهنه من هذا النظام الأجنبي, ومع إشراقة معالي الوزير علي كرسي الوزارة تبدأ سلسلة تجارب سيادته في التلميذ المصري وأهله ويتحول تلاميذ مصر إلي فئران لتجارب الوزير, ويصرخ التلاميذ ويلطم الأهل, والوزير مازال يجرب فيهم خزعبلاته, إلي أن يتأكد الجميع أن الوزيــر- لا مؤاخذة- ليست لديه فكرة لا عن التربية ولا عن التعليم فيخرج سيادته مع أول تعديل أو تغيير وزاري.. والكارثة الحقيقية أن ذلك يتكرر مرة أخري صورة طبق الأصل فيأتي وزير آخر من المجهول بلا خبرة أو حتي دراية بالتربية أو التعليم ويتكرر معه نفس ما تكرر مع من سبقه دون أن نحاول ولو مرة واحدة أن ندرك أن التعليم أخطر وأهم من أن يترك مصيره لعبقرية وزير واحد ـ
هذا لو كان عبقريا بالفعل ـ وأن التعليم في كل دول الدنيا التي تقدمت هو ـ بجد وليس كلام وزراء ـ استراتيجيات وسياسات ثابتة تحظي بتوافق عام, ويتولي وزير بعد الآخر تنفيذها دون أن يمارس هواياته الشخصية باللعب فيها. لأن هذا اللعب الوزاري هو السبب في عشوائيات قرارات التعليم المصري من إلغاء السنة السادسة وعودتها وتطبيق التحسين في الثانوية العامة وإلغائه واختراع الثانوية العامة بامتحان واحد في سنة واحدة ثم في سنتين ثم بمواد اختيارية ومعها علمي متأدب وأدبي متعلم وأخيرا افتكاسات واختراعات التقويم الشامل وأخيه التقويم التراكمي.. والثانوية العامة التي بلا قيمة لأن القبول في الجامعة سيكون له طريق آخر والبرامج المدفوعة في الجامعات وإلغاء الانتساب والتوسع في التعليم المفضوح.. وكلها افتكاسات وزارية إياك أن تصدق أي وزير سابق أو حالي أو قادم إلي وزارة التعليم وهو يؤكد أنه يطبق استراتيجية مستقرة لأن سيادته لو فكر لحظة سيكتشف أن كل وزير سبقه إلي كرسي الوزارة قال نفس الكلام ثم قام بإلغاء ما سماه الوزير السابق استراتيجية ليضع الوزير الجديد الاستراتيجية بتاعته شخصيا..
ولذلك كله للأسف كانت النتيجة الحقيقية المؤكدة عند تغيير وزراء التعليم هي استمرار لسنوات عذاب التلميذ وأهله من تجارب الوزير الجديد!!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]