بعد خروجه من منصبه رئيسا للمركز القومي للبحوث ابتلع الدكتور هاني الناظر شريطا كاملا من حبوب الشجاعة وشن هجوما كاسحا وشاملا علي الوزير الدكتور هاني هلال الذي عمل تحت رياسته عدة سنوات سبح طوالها بتوجيهات الوزير وعبقريته
ولكن بعد أن أصبح الناظر رئيسا سابقا للمركز القومي للبحوث وبعد أزمة جائزة الدولة التقديرية التي تم حجبها في العام الماضي في الوقت الذي كان الناظر يثق في حصوله عليها قبل خروجه من موقعه أشهر الناظر سيفه البتار علي الوزير موجها إليه قائمة طويلة من الاتهامات أقلها شأنا أن الوزير لم يقدم شيئا للبحث العلمي طوال السنوات الماضية وأنه وزير تليفزيوني يرفع شعار كله تمام!!
والحقيقة أن الدكتور الناظر بهذه الشجاعة المتأخرة أساء لنفسه وللعلماء الذين كان يرأسهم قبل أن يسئ للوزير.. ولو أن الدكتور الناظر أظهر10% فقط من هذه الشجاعة وهو يجلس علي كرسيه مرؤوسا للوزير لاستحق من الجميع كل التقدير والاحترام ولكن عندما تظهر الشجاعة بأثر رجعي ولظروف شخصية فإنها تثير الشفقة والأسي معا!! ويصبح من واجبنا أن نسأل الدكتور الناظر لماذا التزم الصمت التام وهو يري الوزير يهدر البحث العلمي؟ وكيف سمح له ضميره بأن يتستر علي وزير لا يقدم سوي مشاهد تليفزيونية يؤكد فيها أن كل شئ تمام التمام؟! وهل كان الناظر سوف يكون بهذه الشجاعة لو أن هلال لم يتدخل لحجب جائزة الدولة التقديرية رغم أن هذا الحجب أضر في المقام الأول بعالمة محترمة هي الدكتورة رشيقة الريدي التي كرمتها وردت اعتبارها بعد ذلك منظمة اليونسكو بجائزة علمية دولية؟! وهل كان الناظر سوف يرفع سيف الشجاعة ضد الوزير لو تم تمديد خدمته بعد سن التقاعد أو أصبح مستشارا مثلا!!
الشجاعة الحقيقية والمحترمة هي أن تقول كلمتك في وقتها ومناسبتها ولكن أن تكتمها سنوات مسبحا ومؤيدا تلتمس رضا الوزير وكرمه إلي أن تتغير الظروف وبعدها تقول عكس ما كنت تقوله وأنت علي كرسيك فأظن أن لذلك وصفا آخر غير الشجاعة!!
حاجة تكسف!
عندما يعقد في مصر مؤتمر عن الأمية ونحن عام2010 فإن ذلك أدانه دامغة لكل المؤسسات المسئولة عن التعليم.. وخلفنا سنوات طويلة من المؤتمرات أنتجت جبلا عظيما من الدراسات والاقتراحات والتوصيات التي حللت وشخصت واقترحت الحلول ومع ذلك مازلنا نناقش قضية اسمها الأمية.
أكثر من65 عاما مضت علي صدور أول قانون مصري لمحو الأمية شهدنا خلالها كل أنواع السياسات والخطط والبرامج والحملات القومية وإنشاء مجلس يحمل اسم الأعلي لتعليم الكبار ومحو الأمية بل وتدخل الرئيس حسني مبارك بنفسه مكلفا الحكومة بتنفيذ مشروع قومي للانتهاء من محو الأمية محددا عشر سنوات لتحقيق ذلك وانتهت هذه السنوات ولم يتم محو الأمية من مصر بل علي العكس زادت نسبتها وزاد عدد الأميين عن قبل.
والمؤكد أنه بعد مرور65 عاما علي إدراك مصر لكارثة الأمية التي تتزايد بين المواطنين وإخفاق كل السياسات والبرامج في سد فجوة الأمية الأبجدية في عالم تغير فيه مفهوم الأمية من الأمية الأبجدية إلي أمية استخدام الحواسب الآلية.. بعد65 عاما أظن ـ دون تجن ـ أن كارثة الأمية في مصر تضع التعليم وسياساته في قفص الاتهام مدانا إدانة كاملة.. لأن التعليم المصري لو نجح خلال نصف القرن الماضي في تعليم التلاميذ مبادئ القراءة والكتابة فقط لاختفت الأمية بفعل الزمن وحده ولكن المذهل والمؤسف معا هو أن التعليم السييء أصبح هو الرافد الرئيسي الذي يغذي نهر الأمية المتدفق علي امتداد محافظات مصر.
وبعيدا عن الإحصائيات التي تتناول نسبة الأمية في مصر والتي تبدأ من26% كما يحددها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء و40% كما تراها تقارير منظمة اليونسكو فإن علينا أن نعترف بأن الأمية في مصر للأسف سوف تزدهر وتنمو في ظل إخفاق السياسات التعليمية عن أداء أبسط أدوارها وهو تعليم القراءة والكتابة واستمرار تزايد نسبة التسرب من التعليم بكل دوافعه التربوية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية وغيرها من الدوافع ولا توجد دولة في العالم أصبح التعليم هو أهم منابع الأمية فيها سوي مصر وسوف نظل نحرث في البحر ونحن نتعامل مع القضية بجهود هدفها محو أمية الموجودين في حين يقذف التعليم السييء كل عام بأضعاف أضعاف من نجاهد لمحو أميتهم.. فالمؤكد أن سد منابع الأمية أهم من محو الأمية.
نحن نتحدث عن مشكلة لم يعد العالم يعرفها.. حاجة تكسف أن يضع تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة مصر ضمن أكبر تسع دول في عدد الأميين في العالم!! مصر التي اخترعت الكتابة علي يد الفراعنة ومازالت كتاباتهم تضئ جدران المعابد هل هي نفسها مصر التي مازالت حتي عام2010 تبحث عن مشروع لمكافحة الأمية؟!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]