بقلم / أسامة سرايا
كل يوم في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ينفضح جهد الكثيرين, ويتبين عدم إدراكهم طبيعة تلك المعركة الطويلة بين العرب والإسرائيليين,
وتتكشف كيفية إدارة المعركة, وتحقيق النقاط الإيجابية في سلة الفلسطينيين. ومواجهة العدوانية الإسرائيلية وهزيمتها أمام الشارع الإسرائيلي والعالم كله, حتي تسلم بحقوق الفلسطينيين ودولتهم المستقلة ذات السيادة.
ولم تكن تنقصنا مذبحة الإسرائيليين في اليوم الأخير من مايو2010 حتي تنكشف جرائمهم المتكررة والدائمة, ليس ضد أسطول الحرية في عرض البحر المتوسط وهو في طريقه إلي غزة فحسب, ولكن أيضا ضد حقوق الإنسان العربي والفلسطيني. فمذابحهم متكررة منذ الأربعينيات عندما قامت دولتهم علي أنقاض أراضي العرب الفلسطينيين, مرورا باعتداءاتهم, علي الشعوب العربية جميعا, حتي فتحوا طريقا أو ممرا للإرهاب والتطرف شغل منطقتنا, وامتد للعالم كله, حتي أصبح حربا شبيهة بالحرب العالمية بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في نيويورك في سبتمبر عام2001.
لقد علا الصوت العربي وأصبح قويا مدويا, معلنا أن الحروب ليست طريقا للحل حتي بعد انتصارنا في1973 علي إسرائيل, التي اغتصبت أراضي أربع دول عربية هي( مصر والأردن وسوريا ولبنان), بالإضافة لكل أراضي الفلسطينيين بعد حرب يونيو1967.
لقد تصادف العدوان الجديد علي سفن الحرية في عرض البحر المتوسط مع كارثة يونيو التي يمر عليها غدا43 عاما, تلك الكارثة العسكرية التي غيرت خريطة الشرق الأوسط ومازالت تفاعلاتها السلبية المستمرة حتي الآن.. ولم يستطع العرب والعالم تجاوز آثارها اللعينة حتي يومنا هذا!!
Osaraya@ahram.org.eg
لم تكن تنقصنا جريمة, سفن الحرية, التي تحمل معونات لشعب غزة حتي ينكشف الوجه القبيح للعسكرية الاسرائيلية التي استأسدت علي مدنيين في عرض البحر فجريمتهم هي سذاجتهم في أنهم تصوروا أننا في عالم تحكمه القوانين والحقوق والمصالح, وأنهم أرادوا أن يتظاهروا بحريا أمام العالم من أجل هدف سام هو إنهاء الحصار علي قطاع غزة, وفتح مجال لإعمار هذا القطاع المظلوم بعد تعرضه لحرب ظالمة منذ أكثر من عامين, وبعد الانقسام بين شطري الوطن الواحد بين غزة والضفة منذ أكثر من ثلاثة أعوام وزيادة معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال, وفي ظل الانقسام والشتات والحصار.
ويجب علي العالم والذين تظاهروا في كل عواصم الدنيا ضد الجريمة الإسرائيلية ألا ينسوا أنها جريمة متكررة ومستمرة ضد العرب والفلسطينيين تحت الاحتلال منذ الحرب العالمية الثانية وحتي الآن بلا حل.
ويجب أن يتذكر الجميع هذه الجريمة البشعة, وهي جريمة يومية ترتكبها إسرائيل, التي أدمنت الجرائم ضد الفلسطينيين والعرب في كل مكان منذ أكثر من خمسة عقود وحتي الآن ومازال يعاني ويلاتها اللعينة شعب أعزل يقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي المسنود والمدعوم بالقوة الكبري في عالم الأمس واليوم.
............................................................
ونحن نشكر الأتراك والنشطاء ودعاة السلام وإنهاء الحصار, الذين اشتركوا في حملة الحرية ونشعر بالامتنان لهم لأنهم شاركونا معاناة الحرب في كل مكان, وهم يتألمون للمأساة الفلسطينية الممتدة والطويلة والقاسية والدامية, فلقد شهدوا ملمحا منها هو القتل بلا ضمير أو تمييز.
ولكن نريدهم معنا حقيقة علي أرض الواقع, ليس بالمظاهرات أو الهتافات فقط, ولكن أيضا بوضع حد لهذا الصراع الدامي الذي يدفع ثمنه القاسي الفلسطينيون وأسرهم وأولادهم كل يوم, كما تدفعه الشعوب العربية جميعا باقتصادها الذي يتدهور, ومعاناة مواطنيها اليومية, والمنطقة غير المستقرة التي تشهد حروبا كل عامين أو ثلاثة بعد أن كانت كل عشر سنوات. منطقة تعرضت لنكبة ضخمة, بعد أن تحالف المجتمع الدولي, بقواه الكبري( أمريكا والاتحاد السوفيتي والدول الأوروبية), لإقامة إسرائيل, ثم تركوها تعبث بالمنطقة وبالعالم, وقد أستأسدت بالاستقواء بالقوة الكبري علي كل دول المنطقة, ومازالت ترفض الأيادي الممتدة بالسلام, وتماطل في رد الحقوق العربية, مستغلة أوضاع الشعب الفلسطيني القاسية والسيئة ومعاناتهم وظروفهم الصعبة حتي تفشي بينهم الإرهاب والتطرف والانقسامات والتشرذم, وتريد أن تدفعهم إلي الهاوية عن طريق الحروب الأهلية بين الشعب الواحد, حتي ترميهم بالتطرف والإرهاب وأنهم غير جديرين لا بدولة ولا بالحياة, وتطالب المجتمع الدولي وكل قواه بمحاربتهم لأنهم أصل البلاء في عالمنا.. في حين أنهم أكثر شعوب الأرض بل أكثر الشعوب الإنسانية, منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها, تعرضا للظلم وانتهاك حقوقه وطرده مشتتا في العالم لأطول فترة في التاريخ الإنساني, بلا وطن ولا أمل, بل غريبا ومشردا في أرضه, تمارس عليه إسرائيل ومؤيدوها في عالم اليوم كل صنوف الاضطهاد والظلم الأقصي, ولا أقصد هنا المسجد الأقصي ولكن أقصي أنواع الظلم والاضطهاد, وأن يطرد الإنسان من أرضه بحجة تاريخية أو دينية لم يثبت وجودها في أي عالم واقعي, وعندما يطلب أصحاب الأرض حقوقهم ومساواتهم بالمعتدي والمغتصب والقاتل تظهر كل الحجج والدعاوي التي لم تعرفها البشرية منذ القرون الوسطي وظلامها.
ونعود الآن إلي الكلام السياسي فحصار إسرائيل لغزة غير مجد, وإسقاطه بالمظاهرات غير مجد, كما أن الأدوار لا تكتسب بالشعارات سواء في المنتديات أو البحار, وسرعان ما تكشفها الشعوب, حتي ولو كانت عربية غير واعية كثيرا, فمن الممكن أن تكسب بعض الوقت خاصة في شارع سياسي قد يكون متشوقا إلي أدوار وألاعيب, ولا يريد حقيقة أن يدفع ثمنها سياسيا أو اقتصاديا, أو حتي علي مستوي علاقاته الدولية مع القوة المؤثرة في عالمنا.
...........................................................
وقد استطاعت مصر إدارة الصراع مع إسرائيل والعالم من منطلق المصالح الفلسطينية الخالصة, دون سعي إلي أدوار رخيصة أو شعبية وهمية, أو بطولة كاذبة علي حساب مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني أو استثمار لمعاناته وحاجته للاستقرار, وقيام دولته لإنهاء الانقسام الذي اعتبرته تحديا حقيقيا, ولكن التداخلات العربية المدعومة إيرانيا أخذت هذا الحل لرهن القضية الفلسطينية بالأزمة الإيرانية مع المجتمع الدولي وتحولت القضية العربية والفلسطينية العريقة والقديمة إلي ورقة إيرانية رخيصة, استغلت الأحزاب الدينية, خاصة حماس في غزة وحزب الله في لبنان, لرهن هذه القضية وربطها بالمصالح الإيرانية.. وإذا أخذنا في الاعتبار التجهيزات التي تجري علي قدم وساق في البحار لمحاصرة إيران عسكريا لأدركنا أن هناك متغيرات كثيرة, وأن الرأي العام في إسرائيل يجهز, عبر هذه العملية وعمليات أخري, لحرب قادمة في المنطقة ضد إيران والأحزاب المتعاملة معها, ولأدركنا خطورة ما يعد للشرق الأوسط من حرب يجب أن يتنبه لها الجميع.. فالحرب تصيب الجميع بالأضرار, وإسرائيل دائما هي التي تستفيد من الحروب التي تقع في منطقتنا, سواء التي تقوم بها, أو حتي الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق التي لم تستطع أن تهزم الإرهاب والتطرف, ولكنها حققت المصالح الاسرائيلية.
وما نحتاجه الآن هو تعاون إقليمي, يشارك فيه الجميع خاصة العقلاء القادرين علي إدارة الصراع في المنطقة, للحيلولة دون الحروب ودون أن نعطي إسرائيل وحلفاء الحرب السلاح الذي يضربون به منطقة الشرق الأوسط بتأخير الحلول العملية لمواجهة الاضطرابات الإقليمية.. فمؤشرات الحرب القادمة واضحة.. وأوباما المنتظر كرجل للسلام والحوار تتم محاصرته أمريكيا وإسرائيليا, بحيث يتحول إلي رجل حرب, فإسرائيل مازالت لا تريد السلام, وتريد تأديب الجميع بالدعم الأمريكي والأوروبي والعالمي وإشعال المنطقة كلها. فالحرب قادمة.. وهي لن تحقق مصالح شعوب المنطقة, ولن يستفيد منها العرب, وسوف تتضرر منها تركيا, وتدمر إيران, وستفتح أمام منطقتنا أبوابا كثيرة للإرهاب والتطرف.. وسوف تؤثر الحرب علي مصالح الفلسطينيين بقسوة شديدة, ولن تؤخر الضغوط السياسية من مختلف المناحي قيام الدولة الفلسطينية بل قد تذهب بها بعيدا, وهذا كله لا تفهمه بعض القوي العربية والإقليمية التي لم تتعاون مع مصر حتي الآن لمحاصرة العدوانية الاسرائيلية, ودفعها نحو الحل وليس نحو الحرب.. وهذا كله لم تفهمه القوي الإيرانية بل حتي الآن مازال الدور التركي يتراوح ما بين المكاسب الشعبية أو المظهرية والدور الحقيقي الفعال والمساعد لوقف الصراعات ودفع المنطقة نحو الحلول السلمية.
............................................................
وأمام هذا الغموض فنحن نثمن عاليا الدور المصري لتخفيف حدة الحصار علي غزة عبر الفتح المستمر لمعبر رفح للحالات الإنسانية والمرضي, ولكننا نعتبر أن الحل الحقيقي هو أن تتحد الجهود العربية والإقليمية لمحاصرة دعاة الحروب وخلق الفوضي في الشرق الأوسط ورهن القضية الفلسطينية بقضايا أخري ومصالح متباينة.
وعلي الفلسطينيين أن يحزموا أمرهم, ويوحدوا جهودهم بلا تشتت, وكفي قضيتهم عبثا بين قوي عديدة ومصالح متباينة أضرت الحل وأضاعت الأرض, وفتحت شهية اليمينيين والتطرف في إسرائيل للاستيطان وضرب المصالح الفلسطينية, بل وتآكل قضيتهم يوما بعد آخر, وعليهم أن يتعاونوا مع مصر لإنهاء الانقسام وإعادة الوحدة للصف الفلسطيني وإدارة صراع عميق وطويل مع الإسرائيليين بالتعاون مع القوي العربية, التي يجب أن تدرك أنه عندما تندفع المنطقة نحو الحروب والتطرف فسيكون من الحكمة أن يسعي كل طرف الي حماية مصالحه.
والأكثر حكمة وبعدا للنظر هو إن يحمي وطنه وشعبه من الانجراف نحو الهاوية أو الحروب, إذا لم يجد التعاون الإقليمي والعالمي في الحد من جموح المتطرفين وشططهم علي كل الجوانب.