خلع النعل والعقل.. وجع في قلب إسرائيل
بقلم: د. أحمد فؤاد أنور
مدرس العبري الحديث بجامعة الإسكندرية
لاتزال ردود الأفعال علي نشر كتاب العنصري اسحق شابيرا والذي يوزع مجانا في إسرائيل منظرا فيه ــ بالأسانيد التوراتية والتلمودية ــ لإباحة قتل' الأغيار وأطفالهم تتوالي في إسرائيل. واللافت للنظر في هذا أن تداعيات الأحداث وتسلسلها يؤكد لنا أن تل أبيب تسير بسرعة نحو مرحلة مفصلية في تاريخها القصير.. فالثابت والمعروف هو أن الــ' جوي' بالعبرية هو اليهودي, وأن الــ' جوييم' هم' الأغيار'( أي غير اليهود), وهناك نصوص تلمودية عديدة تبين الفروق الواجب اتباعها في التعامل الأخلاقي مع' الأغيار'
مثل أحكام رد الدين أو رد ممتلكات مفقودة أو الكذب, لكن المستجد والمستحدث أن يصدر كتاب يحث علي قتل: الأغيار' ويعتبر هذا فريضة دينية واجبة علي كل يهودي. في حين أن المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته التشريعية ومرجعياته الدينية لم تستقر بعد علي تعريف: من هو اليهودي؟ والأخطر أن هذه الآراء لم تكن زلة لسان أو تصريحات إعلامية انفعالية فردية, بل نبعت من موقف تيار يتنامي حاليا في إسرائيل ولديه قناعته بأن موازين القوي داخل المجتمع الإسرائيلي ميدانيا أصبحت في صالحه.. فالكتاب الذي حمل عنوان' شريعة الملك' وتجاوز عدد صفحاته230 صفحة ساند أفكاره وما ورد فيه عدد كبير من الحاخامات علي رأسهم الحاخام يوسي اليتسور الذي شارك في التأليف, والحاخام يعقوف يوسف نجل الزعيم الروحي لحركة شاس ذلك الثقل في الكنيست والمجتمع ــ وهو بكل تأكيد يعبر عن تيار متنام داخل المجتمع الإسرائيلي يجب رصده بكل دقة, ثم الاستعداد لمواجهته بأساليب غيرتقليدية.
وتتعاظم خطورة الكتاب ومضمونه في ظل كفر الحاخام الدكتور' داني تروفر' المعروف بأبي الحوار العلماني الديني في إسرائيل بجهود تقريب وجهات النظر من خلال منظمة ترأسها لأكثر من35 عاما, حيث اعترف بعيد استقالته من المنظمة بأنه:'لم يحدث تقارب بين القلوب في إسرائيل في السنوات الأخيرة. الجانبان( العلماني والديني) تطرفا أكثر في مواقفهما.. لقد قادت الصهيونية الدينية نفسها للهامش. وأصبحنا عنصرا متطرفا للغاية لاتوجد حاجة للتعامل معه.. في الوقت الذي وصل فيه العلمانيون لوضع' أغيار يتحدثون العبرية'. وهو مايجعل سيف كتاب شريعة الملك يطال رقاب العلمانيين الإسرائيليين أيضا(!) وهو وضع يتيح نشوب تحالف ناتج عن تقاطع المصالح بين فلسطيني48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية والقوي العلمانية في إسرائيل منعا لقتلهم عند نشوب أي خلاف أو علي الأقل معاناتهم من إكراه ديني.
فقبيل طرح الكتاب ثار الجدل والصدام مرارا وتكرارا بين المعسكرين المتنافرين في إسرائيل ــ العلماني والمتدين ــ سعيا لتوصيف من هو اليهودي وإجراءات التهويد.. نظرا لأن التهويد في هذا الإطار هو الحدود التي يسعي معسكر المتدينين لأن تكون واضحة ومانعة, حتي لايختلط' الجانب الآخر'( العلماني)' معنا'( المتدينين), وفقا لمفهوم ذلك المعسكر, في حين يسعي المعسكر العلماني بكل قوة لإزالة هذه الحواجز انكارا للسلطة الدينية, وتذويبا لهذه الكتلة الجامدة المنغلقة علي نفسها في المجتمع. ومن هنا يحتدم الخلاف. والمستجد بعد طرح الكتاب هو أن من لايحصل علي
اعتراف بأنه يهودي من المحاكم الدينية في إسرائيل سيكون معرضا للقتل في أي لحظة علي يد المتشددين دينيا. مع الوضع في الاعتبار أن مئات الآلاف من( يهود) روسيا الذين هاجروا لإسرائيل خلال التسعينيات لا يزالون غير معترف بيهوديتهم في ظل إجراءات تهويد, قال أرييل شارون عن صعوبتها: إنه لم ليكن سيجتازها لو طلب منه استيفاؤها(!) مع العلم بأن من بين المؤشرات علي تنامي قوة المتدينين عودة طقس' خلع النعل' اليهودي الذي يعتبره عدد من المحللين في إسرائيل عودة للعصور الوسطي, حيث عرضت القناة العاشرة الإسرائيلية وهي الأكثر مشاهدة في إسرائيل
مع القناة الثانية كليبا مطولا يعرض تفاصيل' خلع النعل' أو بالعبرية'حليتسات ناعل' وهو طقس مرتبط بمفهوم' اليبوم' عند اليهود المتدينين وهو زواج الأرملة التي لم تنجب أولادا من أخي زوجها, وقد وردت تفاصيل ذلك, وتبعات رفض شقيق المتوفي لهذا الزواج في سفر التثنية الإصحاح25:5 ــ10. وقد أجري بالفعل مؤخرا في أشدود, الأمر الذي بث الرعب في نفوس العلمانيين الذي يخشون من فرض الشريعة اليهودية علي الجميع, فالطقس يخص الرجل
الذي توفي ولم ينجب ويرفض شقيقه أن يتزوج من أرملة شقيقه لكي ينجب له منها أطفالا(!) فوفقا لتفاسير الحاخامات للتوراة فإنه يجب إهانة هذا الرجل أمام الجميع, وبعدها يكون قد اعفي من واجبه ويحق للأرملة الزواج من غير شقيق زوجها الراحل. إهانة الرجل الرافض للزواج من أرملة شقيقه تتم بجمع أكبر قدر من أفراد الأسرة في مكان عام( يفضل في شارع مزدحم) ويعلن أمامه عدم رغبته في الزواج من أرملة شقيقه, وهنا تخلع الأرملة( صندله) وتضربه, ثم تبصق عليه أمام الجميع.. بشرط حضور ثلاثة حاخامات لذلك الطقس. وهو الطقس الذي يري المتشددون أنه يجب أن يتبع مع من ينادون باستمراره في هذا العصر الذي خرجت فيه المرأة للعمل, وأصبح لها شبكة علاقات ومعارف كبيرة, وبالتالي لايحتاج الأمر للضغط المهين علي شقيق الزوج لكي يقبل بها وهو لا يحبها. وفي كل الأحوال فإن استمرار ممارسة خلع النعل يجعل إسرائيل علي مسافة ضئيلة من العصور الوسطي المتخلفة المظلمة.
تغيرات المجتمع الإسرائيلي المتلاحقة ستؤثر علينا بشكل أو بآخر ويجب استثمار بعضها بما يخدم مواقفنا لتوضيح أن مكامن الخطر داخل القوي الدينية المتطرفة في إسرائيل ليست موجهة للجيران العرب فقط, بل هي موجهة لكل من هو غير يهودي... وحتي لمن هم من أبناء جلدتهم... وهو الاستثمار الذي يجب أن يتم بشكل احترافي...