مازال الدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم يواصل جولاته ـ التي يصفها بالزيارات المفاجئة ـ علي المدارس.. وهي جولات مفاجئة للوزير فقط, لأن كل مدرسة يزورها الوزير تعرف موعد الزيارة المفاجئة قبلها بأسبوع علي الأقل, ويسبق الوزير إلي المدرسة جيش جرار من مصوري التليفزيون ومحرري الصحف في انتظار وصول الوزير فجأة إلي المدرسة, حيث يتفقد بنفسه مرافق المدرسة ويطمئن بابتسامته المشرقة علي تدفق الماء من حنفيات المدرسة التي يزورها, وبعد هذه الجولة المفاجئة التي يجري تصويرها تليفزيونيا وإعلاميا تتسع ابتسامة الوزير الجمل وهو يدلي بتصريحات صحفية جديدة تتضمن تزايد أعداد التلاميذ المصابين بإنفلونزا الخنازير, مؤكدا أنه لا يشعر بالقلق مطلقا من هذه الزيادة المستمرة في أعداد المصابين ولا في أعداد المدارس والفصول التي تغلق يوميا ولا في انتشار الإصابة جغرافيا علي امتداد محافظات مصر كلها.. كل ذلك لا يقلق الوزير!! أمال متي سيشعر سيادته بالقلق؟
وفي تصريحاته التي تتدفق علي وسائل الإعلام يوميا يواصل الوزير ـ بعناد غريب ـ تمسكه بتطبيق ما يسميه نظام التقويم الشامل مع أخيه نظام التقويم التراكمي, وهما نظامان يرتبط تطبيق أحدهما بانتظام التلاميذ في المدارس ويخصص50% من درجات المادة لامتحانات شهرية والأنشطة داخل المدرسة سواء أنشطة رياضية أو موسيقية أو تدبير منزلي, وكلها بالطبع موجودة ولكن علي الورق فقط..
ولا يريد الوزير الجمل أن يقتنع بأن هذا النظام المستورد لا يناسب ظروف التعليم المصري وأنه حتي لو كان من المناسب تطبيقه فإن العام الحالي تحديدا لا يصلح فيه مطلقا تطبيق مثل هذا النظام الخزعبلي.. فنحن أمام عام دراسي الأساس فيه هو غياب التلاميذ عن مدارسهم وإغلاق مئات الفصول ومعها إغلاق لعشرات المدارس بالكامل.. يعني ظروفا يستحيل معها أن يخصص50% من درجات المواد الدراسية للأنشطة والألعاب الرياضية والامتحانات الشهرية والأسبوعية..
والوزير الجمل حسب ما انفردت به الزميلة نيفين شحاتة في أهرام الأمس يوافق علي حذف أجزاء من مناهج الدراسة, ومع ذلك لا يعيد النظر في حكاية التقويم الكاذب أو الشامل, ولا يلاحظ التناقض في تصريحاته التي تتضمن تزايد أعداد التلاميذ المصابين بإنفلونزا الخنازير وتزايد عدد الفصول والمدارس التي يتم إغلاقها لهذا السبب, وتتضمن في نفس الوقت التشدد في حصر غياب التلاميذ والتشدد في تطبيق أكذوبة التقويم الشامل!!
أبوس ايدك!
وفي واحدة من زياراته المفاجئة والتي زادت أخيرا مع شائعات التغييرات الوزارية, خاصة وقد رشحته بالإجماع للخروج من الوزارة في إشارة واضحة تعني أن الرأي العام لا يشعر بالارتياح أو الأمل من أوضاع التعليم, مارس الوزير الجمل عادته في كل زيارة مفاجئة بالاطمئنان علي نظافة دورات المياه بالمدارس وسلامة الحنفيات بها وبينما تلمع فلاشات عدسات التصوير وكاميرات التليفزيون وهي تثبت بالصوت والصورة تدفق الماء من الحنفيات إذ بإمرأة تندفـع نحـو الوزير الجمل تبوس يده الكريمة وتدعو له بطول العمر الوزاري
وتستحلفه بالله أن يحقق لها أمنيتها!! ويتبين أن المرأة هي عاملة نظافة مؤقتة بالمدرسة, وتتقاضي أجرا كل شهر يصل إلي سبعين جنيها مقابل عملها في نظافة المدرسة ورغم ذلك فإن الوزارة سوف تستغني عنها ـ باعتبارها عمالة مؤقتة ـ وبذلك تخرج مطرودة من جنة وزارة التربية والتعليم وتهوي المرأة علي يد الوزير تقبلها وتستحلفه بالله ألا يتم الاستغناء عنها حتي تظل تنعم بخيرات وزارة التربية والتعليم والتي تمنحها سبعين جنيها شهريا.. ولم يتردد الوزير الجمل بعد تقبيل يده الكريمة, فأصدر أوامره الوزارية باستمرار المرأة العاملة تنعم بجنات الوزارة وأن تتقاضي السبعين جنيها كل شهر كاملة دون نقصان ودون زيادة طبعا!!
وإذا كان هذا هو حال النظافة في المدارس المختارة التي يزورها الوزير للتصوير التليفزيوني, حيث تتولاها عمالة مؤقتة تتقاضي جنيهات معدودة فماذا ننتظر أو نتوقع أن تكون الصورة في باقي المدارس التي لم يسعدها زمانها بزيارة وزارية للوزير الجمل؟!
وإذا كان الحظ قد ابتسم لهذه السيدة العاملة فنعمت برؤية طلعة الوزير واخترقت الكردون الأمني المحيط بسيادته ووصلت إلي يده الكريمة تقبلها فكان جزاؤها أن ظلت باقية داخل جنة الوزارة تنعم بخيراتها, فمن يتيح مثل هذا الحظ لآلاف من العمالة المؤقتة في الوزارة؟!
وأخيرا إذا كان بوس الأيدي الكريمة هو الذي يقنع الوزير الجمل, فأظن أن أولياء الأمور المرعوبين خوفا علي أطفالهم من تفشي وباء إنفلونزا الخنازير علي استعداد لتقبيل الأيدي الوزارية الكريمة حتي يرفع عنهم الوزير عذاب التقويم الشامل الكاذب الذي يرغمهم علي أن يقذفوا بأولادهم في قلب فيروس الإنفلونزا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]